Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
مكتبة المرئيات

تفسير آيات الصيام ج 1 ـ الشيخ مصطفى العدوي تاريخ 25 2 2025

رمضان وأهمية تعلم أحكام الصيام
مقدمة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، فتعلّم أحكام الدين من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله، سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الأمة. وقد قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]. ومن أوجب ما ينبغي تعلمه: أحكام العبادات، خاصة المسائل التي تتعلق بالتوحيد والإيمان، وكذلك الأحكام المتعلقة بالعبادات الموسمية كالصيام والحج.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يصبح تعلم أحكام الصيام أمرًا لازمًا، فهو شهر الصيام والقيام، وتلاوة القرآن، والصدقات، والإحسان، والدعاء. نسأل الله أن يهلّ هلاله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
أهمية تعلم أحكام الصيام
الصيام فريضة عظيمة وركن من أركان الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت». وهو عبادة كانت مفروضة على الأمم السابقة، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
تعريف الصيام
الصيام لغةً: الامتناع، كما قالت السيدة مريم عليها السلام: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ [مريم: 26]، أي امتنعت عن الكلام.
الصيام شرعًا: الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مصحوبًا بالنية. وهذا التعريف مستمد من قول الله تعالى في الحديث القدسي: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي».
تفاصيل أحكام الصيام
أولًا: الطعام والشراب

الحقن:

الحقن التي تدخل الجسم، مثل الحقن الوريدية، اختلف العلماء في حكمها:
فريق يرى أنها تأخذ حكم الطعام والشراب لأنها تدخل الجسم، فتفطر.
فريق آخر يرى أنها لا تفطر لأنها لا تدخل من مداخل الطعام والشراب، ولا تُستلذ بها، ولا تُغذي كالطعام. وهذا الرأي أرجح، خاصة أن الحقن لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي تُعتبر من المسائل المستجدة التي تُحكم بالقياس.

الحقن الشرجية (لعلاج الإمساك مثلاً) لا تُعتبر طعامًا أو شرابًا، فلا تفطر.

معجون الأسنان والسواك:

استعمال معجون الأسنان أو السواك لا يفطر ما دام لا يصل شيء إلى الجوف. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»، ولم يستثنِ الصائم.
السواك جائز سواء كان رطبًا أو يابسًا، أو بنكهات مثل النعناع أو الزنجبيل.

تذوق الطعام:

إذا تذوقت المرأة طعامًا (لمعرفة ملوحته مثلاً) دون أن يصل إلى جوفها، فلا يفطر ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»، ولم يُبيّن أن المضمضة بماء البحر تفطر.

الكحل والبخور:

الكحل لا يفطر لأنه ليس طعامًا ولا شرابًا ولا شهوة.
البخور كذلك لا يفطر لنفس السبب.

بخاخ الصدر:

اختلف العلماء في حكم بخاخ الصدر المستخدم للربو:
فريق يرى أنه يفطر لأن مادته تدخل الجسم.
فريق آخر يرى أنه لا يفطر، والأحوط لمن يستطيع الاستغناء عنه أن يتجنبه. أما من لا يستطيع (لأنه قد يؤدي تركه إلى الموت)، فيستخدمه ويقضي يومًا احتياطًا إن استطاع، أو يطعم مسكينًا عن كل يوم.

القيء:

من استقاء متعمدًا فعليه القضاء، لكن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «الفطر مما دخل وليس مما خرج»، فالأرجح أن القيء لا يفطر، سواء كان متعمدًا أو غير متعمد.

الحجامة:

اختلف العلماء في حكم الحجامة للصائم:
الجمهور يرون أنها لا تفطر، مستدلين بحديث ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم».
الحنابلة يرون أنها تفطر، مستدلين بحديث: «أفطر الحاجم والمحجوم»، لكن الجمهور جمعوا بين الأدلة بأن الحجامة قد تُضعف المحجوم أو يدخل شيء إلى جوف الحاجم أثناء الشفط، لكنهم أيدوا رأي ابن عباس: «الفطر مما دخل وليس مما خرج».

التبرع بالدم يأخذ حكم الحجامة، فلا يفطر.

السجائر وقطرات العين والأنف:

السجائر تفطر باتفاق العلماء لأنها تحتوي على مواد تدخل الجسم.
قطرات العين والأنف لا تفطر ما لم تصل إلى الجوف، والأحوط تجنب وصولها إلى الجوف.
اللصقات الطبية (مثل لصقات النيكوتين) لا تُعتبر طعامًا أو شرابًا، فلا تفطر.

ثانيًا: الشهوة

الجماع:

الجماع يفطر باتفاق العلماء، ويتطلب كفارة (صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا إن عجز).
إذا جامع الرجل زوجته ليلاً ولم يغتسل حتى طلع الفجر، فصيامه صحيح، لقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يتم صومه».

الاستمناء:

الاستمناء يفطر عند جمهور العلماء لأنه قضاء للشهوة، ويجب قضاء اليوم. لكن لا كفارة عليه كالجماع.
بعض التابعين وبعض المعاصرين قالوا إنه لا يفطر، لكنه قول ضعيف.

الاحتلام:

الاحتلام لا يفطر باتفاق العلماء، لأنه غير متعمد.

المذي:

المذي لا يفطر، وإن كان بعض المالكية شددوا في ذلك إذا كان بسبب نظرة. لكن الأرجح أنه لا يفطر لعدم وجود نص صريح.

ثالثًا: وقت الصيام

بداية الصيام: من طلوع الفجر، وهو تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي البياض المستعرض في السماء باتجاه طلوع الشمس. وقد كان بعض الصحابة يفهمون الخيط حرفيًا، كعدي بن حاتم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن وسادك لعريض»، أي أن المقصود هو بياض النهار.
نهاية الصيام: عند غروب الشمس، ويستحب التعجيل بالإفطار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

رابعًا: النية

النية شرط لصحة الصيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيت النية». لكن الحديث وُقف على حفصة رضي الله عنها.
الأرجح أن نية واحدة لشهر رمضان كله تكفي، إلا إذا أفطر الشخص لعارض، فيستأنف النية لليوم التالي.
النافلة يجوز عقد النية لها في النهار، بخلاف الفريضة التي يُفضل عقد نيتها ليلاً احتياطًا.

خامسًا: استثناءات الصيام

الحائض والنفساء: لا تصومان، وتقضيان بعد الطهر.
الطفل الصغير: ليس عليه صيام، لكن يُستحب تدريبه، كما كان الصحابة يدربون أطفالهم.
المجنون: ليس عليه صيام.
المريض والمسافر: لهما رخصة الإفطار مع القضاء لاحقًا.

سادسًا: التقوى غاية الصيام
قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فالصيام يهدف إلى تحقيق التقوى بأشكالها:

تقليل جريان الدم في الجسم، مما يقلل من تأثير الشيطان.
الشعور بجوع الفقراء، مما يرقق القلوب ويدفع إلى الصدقة.
تعليم النفس الصبر والتحمل، مما يزيد التقوى.

خاتمة
الصيام عبادة عظيمة تهدف إلى تهذيب النفس وتحقيق التقوى. ومع اقتراب رمضان، ينبغي لكل مسلم أن يتعلم أحكامه ويتأهب له بالنية الصادقة والعمل الصالح. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل هذا الشهر موسم خير وبركة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك المادة: